ما زلنا نحلمُ بعراقٍ جديد، ونتطلع لتحقيق هذا الحلم كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعيّة ٢٠٢١، خصوصاً وأنها تقرّرت إثر احتجاجات الشعب العارمة على  تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي شهدها العراق في عام ٢٠١٩. كان من المفترض أن يستمر البرلمان العراقي الذي تم انتخابه عام ٢٠١٨ حتى عام ٢٠٢٢ ولكن تم الإعلان عن انتخابات مبكرة مُقرّرة في شهر أكتوبر من العام الحالي ٢٠٢١.

فهل ستكون هذه الانتخابات بداية التغيير والنهضة في العراق؟ وكيف سيبدو مسار الانتخابات حتى هذه اللحظة؟

أسئلةٌ يجبُ أن تكون حاضرة في الذهن..

تعهد الكاظمي بإجراء هذه الانتخابات النيابية المُبكّرة خلال عام واحد من توليه منصبه؛ مؤكداً أن هذه الانتخابات هي جزء من برنامجه الحكومي، إلى جانب ضمان استكمال جدول العملية الانتخابية بنزاهة وعدالة، قرّر إرجاء الانتخابات إلى شهر أكتوبر ٢٠٢١،  وفتحَ المجال أمام المراقبين الدوليين للرقابة والإشراف على الانتخابات مع التأكيد على منح الاستقلالية الكاملة لمفوضية الانتخابات المختصة بإجراء العملية الانتخابية.

ولكن على صعيد آخر يرى بعض المحللين السياسيين أن هذه الانتخابات لن تكون عادلة ونزيهة كما هو مخطط لها ومعلنٌ عنها، وذلك بسبب إلغاء حق المغتربين العراقيين والذين يبلغ عددهم 5،000،000 مغترباً عراقياً من التصويت في هذه الانتخابات، وإذ يؤكد الدستور الحالي أن كل 100،000 شخص يمثله نائب واحد؛ وفي هذه الحالة يجب تجميد عضوية 50 نائباً في هذه الانتخابات، بالتالي تجميد رواتبهم أيضاً، مما يؤدي إلى تخفيف الميزانية المالية للانتخابات ولاقتصاد العراق بشكل عام.

وتُبرّر المفوضية العليا للانتخابات المستقلة قرار منع المغتربين العراقيين من المشاركة في انتخابات 2021 خضوعهم لقوانين الدول التي يقيمون فيها وليس للقانون العراقي، مما يحد من صلاحيات المفوضية بالتعامل مع التجاوزات والاختراقات التي قد تحدث في انتخابات العراق في تلك الدول، بالإضافة إلى حرص المفوضية على سلامة أعضائها من التعرض لمشاكل صحية إثر تداعيات جائحة كورونا\كوفيد19 المستمرة، وذلك في حال أرسلتهم إلى الدول المختلفة للإشراف على عملية سير الانتخابات العراقية فيها من خلال سفاراتها هناك، وجاء قرار المفوضية بمنع المغتربين من خوض انتخابات ٢٠٢١ بعد أن فوضها الرئيس الكاظمي لاتخاذ القرار المناسب لذلك بحجة ضمان انتخابات نزيهة وحقيقية.

فهل يكون هناك بالمقابل قرار آخر إيجابي بحجة ضمان نزاهة الانتخابات يحمي حياة الصحفيين والناشطين والمرشحين ويمنع مسلسل الاغتيالات الذي تزداد حلقاته قبل عملية الانتخابات؟

بالرغم من كل الوعود التي يقدمها الكاظمي لإجراء انتخابات نزيهة برقابة دولية وبحماية عسكرية، إلا أن مشاهد التهديدات الأمنية التي يتعرض لها المرشحين والناشطين لا تزال مستمرة وتطال حياتهم وحياة عائلاتهم؛ ممّا جعل الكثيرين منهم للانتقال والاستقرار في مناطق أكثر أماناً طلباً لحماية أنفسهم وعائلاتهم من أي خطر إلى جانب قرارهم بمقاطعة للانتخابات في حال بقي الوضع على ما هو عليه.

فقد كان لمقتل الناشط الكربلائي إيهاب الوزني مؤخراً برصاص مسلحين مجهولين وغيره أيضاً من الناشطين والحراكيين أثراً بالغاً على المنظمات والحراكات والأحزاب في إعلان مقاطعتهم للانتخابات، بينما أصدرت أحزابٍ أخرى بيانات تؤكد أن الانتخابات العراقية غير آمنة، وفي هذا الجانب  تؤكد المفوضية العليا للانتخابات أن مهمة توفير الحماية والأمن من قِبلها تبدأ فقط خلال فترة انعقاد الانتخابات النيابية وتشمل المرشحين ومراكز الاقتراع والناخبين، أمّا في الفترة التي تسبق الانتخابات وما بعدها فإن مسؤولية الأمن والحماية تقع على عاتقهم الشخصي بما في ذلك المرشحون، كما أنها ترى عدم وجود علاقة مباشرة بين اقتراب موعد الانتخابات وزيادة عدد الاغتيالات على الرغم من أن هذا المسلسل يتكرر مع كل دورة برلمانية، ولكن قد تؤدي لقيام عموم الشعب والناشطين بمقاطعة الانتخابات، ومن وجهة نظرها فإن المقاطعة لن تؤثر على شرعية الانتخابات ولكن قد يكون لها أثر سياسي واحتجاجي فقط سواء على الدولة أو على سير الانتخابات.

إذاً، نقف نحن هنا على ضفتي النهر بين منع المغتربين من أبسط حقوقهم في تلبية النداء الوطني للانتخاب، وبين عدم توفير حقوق الحماية لحياة العديد من الأشخاص الذين يُلبّون هذا النداء داخل حدود الوطن، فكيف نضمن نزاهة الانتخابات القادمة؟ نتيجة الانتظار ونتيجة الانتخابات هما الحد الفاصل! وحتى يحين هذا الموعد المنتظر الذي يتطلع إليه الشعب بكل ما يملك سيشهد العراق العديد من المواقف والأحداث؛ فكلّ ما نطمح إليه هو عراق آمن مزدهر يُسخر ثرواته وموارده الطبيعية ليحقق التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ويتمتع شعبه بحقوقه وحياته الكريمة.