يواجه المواطن العراقي موجات القرارات الحكومية التي تصدر عن منظومات عشوائية ويتحمل تبعاتها باستمرار لأجل العيش الكريم في وطنه، وآخر موجة يتم التلاعب بها هي موجة تعويم سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي.

مؤخراً انخفض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته ووصل إلى ١٤٥٩ دينار مقابل الدولار الواحد، وكان هذا القرار المتخبط قد صدر عن الحكومة وعن البنك المركزي وليس بسبب عمليات العرض والطلب، وكان مبرّر الحكومة في هذا القرار هو سد عجز الدولة الذي تعرّضت له بسبب جائحة كورونا / كوفيد ١٩ وما واجهه قطاع النفط من انهيار في الأسعار على مستوى العالم، حيث تعتمد موازنة الدولة بنسبة ٩٢٪ على إيرادات النفط كمصدر دخل رئيسي لها.

والآن تتداول الحكومة قرار تعويم سعر الدينار العراقي دون أي تعليق يذكر من البنك المركزي حتى هذه اللحظة، وعلى ما يبدو أنّ قرار التعويم سيكون تعويماً مطلقاً وليس موجهاً وبالتالي لا دور للبنك المركزي أو للحكومة في تحديد سعر التعويم بل سيكون معتمداً على آلية العرض والطلب.

حيث تعوّدنا على قرارات الحكومة التي يتم اتخاذها عشوائياً وبشكل مفاجئ وليس بناءً على مراحل مدروسة، إلى جانب افتقادهم لمرحلة مراقبة نتائج القرارات فيما بعد وإمكانية تعديلها، أيضاً؛ قد تكون تلك القرارات مبنية لخدمة مصالح سياسية أو حتى شخصية، وتعويم سعر الدينار العراقي بكلا الحالتين سواء كان تعويماً مُوجهاً (مداراً) أو تعويماً مطلقاً هو ضد مصلحة الدولة ويعبث باقتصادها والمتضرر الأول في هذه الحالة هو المواطن العراقي.

سياسة التعويم بحد ذاتها ليست سياسة فاشلة، فبعض الدول الكبرى قد تلجأ لهذه السياسة ولكنها بالمقابل تمتلك قواعد قوية في مجالي الصناعة والزراعة، بينما العراق يمتلك ثرواتٍ متعددة ولكنه يفتقر إلى الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي كما أنه بلداً مستهلكاً بالدرجة الأولى، وفي حال تم تنفيذ قرار التعويم فإن تبعاته السلبية ستطال النشاط الاقتصادي كاملاً، وإنّ الأوْلى في هذه المرحلة هو دراسة القرار مع رجال الأعمال وأصحاب الأموال إلى جانب الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في هذا المجال بما يحقق النفع لجميع القطاعات وللمواطن.

ولأن المواطن العراقي تعوّد أن يدفع الثمن دائماً فإنه هو المتضرر الرئيسي من هذا القرار، حيث أنّ التجار والمستوردين يواجهون مشاكل متعددة ومتشعبة كثيراً داخل وخارج العراق، وفي هذا الوضع سيواجهون مشكلة ارتفاع أسعار المنتجات التي يستوردونها من الخارج بسبب الانخفاض الكبير في سعر الدينار؛ وجديرٌ بالذكر هنا أنّ العديد من التجار لم يتمكنوا من دفع المبالغ المترتبة عليهم بشكل كامل لذات السبب، وهذا الأمر سيترتّب عليه تبعات سلبية على المستهلك وستدنّى قدرته الشرائية أكثر لتصل لمرحلة عدم قدرتهم على توفير السلع الأساسية بالإضافة لزيادة تفشي الفقر بين المواطنين، وهذا سيولد ضغطاً شعبياً ومجتمعياً على سياسة الدولة وبالتالي سيزيد من اضطراب الأوضاع المعيشية وسيعيق تحقيق الأمان.

وبسبب تبعات هذه القرارات اللامدروسة والقلق من الظروف التي لا يمكن لأحد توقعها، نلاحظ شلل النشاط الاقتصادي بالمجمل وقيام العديد من رجال الأعمال وأصحاب المصالح والأموال بإيقاف أعمالهم لفترات مؤقتة حتى لا تؤثر تذبذبات الدينار العراقي عليهم ويتجنبوا نتائج انهيار سعر الدينار، خصوصاً وأنّ دور البنك المركزي للتحكم في سعر التعويم لن يكون حاضراً إنما يتم بناء على آليات العرض والطلب التي ستهدد أسعار الصرف وبالتالي حدوث التضخم الذي سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد، ولكن لو كان للبنك المركزي دوراً لو حتى على سبيل المراقبة فإنّ رجال الأعمال وأصحاب الأموال سيعززون من نشاطاتهم الاقتصادية في العراق إلّا أنهم يدركون تماماً أن كل ما يحدث هو بسبب قرارات الدولة المتخبطة وظروفها وليس تبعاً لسياسة واقتصاد العالم.

خفض سعر الدينار العراقي مقابل سعر الدولار الأمريكي  يجب أن تُدرس آثاره على الصناعة والزراعة قبل تنفيذ أي قرار، ويجب أن يؤخذَ بعين الاعتبار أن المواطن العراقي ليس هو كبش الفداء في هذه القرارات وليس عليه تحمل أخطاء هذه القرارات المُتخبطة والناتجة عن صنّاع قرار يسعون وراء مصالحهم السياسية والشخصية.

إلى متى سيبقى السياسيون وأصحاب المناصب هم المتحكمين في اقتصاد دولة تمتلك ثروات غنية ويسعون إلى تدهور حال الشعب العراقي؟ ألم يحين الوقت للعراق ليتسلّمها من يستحقها ويعيد توجيهها لينهض بها؟

بقلم أحمد طالب الجبوري