قصص الفقر والحياة المعيشية الصعبة ليست جديدة على المواطن العراقي ولكن تُعاد صياغتها الآن بسيناريوهات ومُخرجين مختلفين، ويدور محور جميع  القصص حول جائحة كورونا/كوفيد ١٩ .. بدءاً من الإغلاقات العالمية، تجميد تصدير واستيراد النفط، عدم توفر سلع الحياة الأساسية، رفع الأسعار من قبل التجار لتعويض خساراتهم وغيرها من السيناريوهات المختلفة التي يقع ضحيتها بالمُحصّلة المواطن العراقي!

نحن لا نُنكر أن هذه الجائحة تسبّبت بأزمة عالمية في جميع الدول وجميع القطاعات الاقتصادية، السياسية، التعليمية وحتى الاجتماعية! ولكن ما تسبّبت به في انهيار أسعار النفط كان له أثراً سلبياً واضحاً على تدهور جميع القطاعات في العراق والتي أدّت إلى فقدان العديد من الموظفين أعمالهم،  إلى جانب إغلاق العديد من المصالح والمحلات التجارية وانتشار البطالة وبالتالي بدأ الفقر يتفشى بين أبناء الشعب، وإنّ ما نفتقده هنا في العراق هو إدارة الدولة وقيادة الأزمات، ووضع المواطن العراقي في رأس هرم أولويات الحكومة لتخطّي مثل هذه التحديات والصعوبات بأقل الخسائر! ولكن للأسف منذ عام ونصف وحتى الآن فإن نسبة الفقر تزداد  في العراق وتتفشّى أكثر وأكثر بين أبناء الشعب حتى وصلت إلى ٤٠٪ ! فهل هذه نسبة منطقية خصوصاً وأن قطاع النفط من أوائل القطاعات التي تم فتحها وأسعاره تشهد ارتفاعاً مستمراً؟ إلى جانب عودة الحكومة إلى تصديره؟

فكيف أّثّر انهيار أسعار النفط على ازدياد تردّي الحياة المعيشية للمواطن العراقي يوماً بعد يوم؟ وكيف ازدادت نسبة الفقر بين أبناء الشعب؟! وأين تذهب إيرادات النفط بعد عام ونصف من تراجع الجائحة؟

بالعودة للإغلاقات التي فرضتها الحكومة على الشعب لمواجهة موجات تفشي الفيروس المتعددة، لم تكن هذه الإغلاقات بخطط مدروسة تعمل على تعويض المتضرّرين، فنجد العديد من الموظفين قد خسروا نصف رواتبهم أو باتوا يعملون بدون رواتب؛ ممّا أدّى إلى فقدانهم وظائفهم، إمّا من قِبل الجهة التي يعملون بها أو من قِبلهم هم، وربّما لا تدرك الحكومة أهمية سيولة هذه الرواتب لأنها هي عصب الحياة في العراق ومحرّكاً مهماً لعجلة الاقتصاد العراقي، ولكن ما نراهُ الآن عائلات وأسر بدون رواتب أو مصادر دخل ويفتقدون مقوّمات الحياة المعيشية الأساسية إلى جانب عودة البطالة وارتفاع نسبتها مُجدّداً.

تزامن هذا مع الصعوبات التي تعرَّض لها التجار وأصحاب الأسواق الاستهلاكية على وجه التحديد بسبب الإغلاقات، فالسلع الغذائية والاستهلاكية اليومية التي كانت مرصوصة على الأرفف وتقضي حاجات المواطن بأسعار مناسبة، تعرضت للتلف ممّا اضطر بأصحابها لمواجهة هذا الأمر بالتخلص منها واستبدالها بسلع جديدة ولكن بأسعار أكثر ارتفاعاً! فازداد الأمر صعوبة؛ من جهة قدرة المواطن الشرائية تدهورت مقابل غلاء الأسعار وفي الجانب الآخر بات التجار بحاجة لتعويض خساراتهم في ظل غياب دور الحكومة باتخاذ قرارات مناسبة سواء كانت بتعويضهم أو بمنحهم قروض طويلة المدى مقابل عدم قيامهم برفع الأسعار في وجه المواطن!

لم تدم الإغلاقات العالمية طويلاً خصوصاً في قطاع النفط، وبدأت أسعار النفط بالانتعاش بمؤشرٍ متصاعد منذ الربع الأخير من العام ٢٠٢٠، ولكن لم تحاول الحكومة خلال فترة الإغلاقات وتدهور أسعار النفط من وضع خطط بديلة وجديدة لإنعاش اقتصاد العراق وتنميته، وكان جلّ تركيزها على تصدير النفط مع تجاهل الموارد الأخرى، وعاد تصدير النفط ولكن أين إيراداته؟ تحاول الدولة أن تقوم بتغطية الخسائر والقروض والديون التي تراكمت عليها إثر الجائحة ومن ضمنها رواتب موظفي الدولة، والتصريحات المُتداولة لخطط الاستفادة من إيرادات النفط لا يزال حبراً على ورق، ولا يبدو أنه سيتم تنفيذها حتى في المستقبل القريب.

كما أنّ تجاهل الموارد والثروات الطبيعية تُمثلُ عائقاً أساسياً في تردّي الاقتصاد، مثل الموارد المائية التي باتت تنذر بأزمة مياه تؤثر على المزارعين وأصحاب المواشي وأهالي المناطق المحاذية للنهر، حرق الغاز المصاحب للنفط والذي يُعدُ أفضل حل لحل أزمة الكهرباء التي يعاني منها المواطن منذ سنوات، ولو تم استغلال هذه الثروات وإنشاء البنية التحتية وبناء المصانع والشركات لَتمّ توفير العديد من فرص العمل لأبناء الشعب العراقي وانخفاض البطالة، إلى جانب تحريك عجلة اقتصاد الدولة في مجالات الدولة المختلفة محلياً ودولياً، وبالتالي تراجع شبح الفقر. ولكن للأسف منذ بداية الجائحة ومؤشر الفقر في ازدياد مستمر على الرغم من مرور عام تقريباً على ارتفاع مؤشر أسعار النفط، وهذا إنّ دلّ على شيء فإنه يدل على أن الفساد لا يزال هو المسيطر على وضع العراق الاقتصادي والسياسي، وحتّى إن تمّ وضع حلول وخطط لمحاربته ولكن يبقى التنفيذ على أرض الواقع أمراً صعباً أو مستحيلاً.

وعلى ما يبدو أنّ العراقيين وحدهم الذين سيبقون في مواجهة جميع التحديات والصعوبات التي يتعرّض لها العراق نتيجة الأزمات غير المسبوقة على مستوى العالم بما فيها جائحة كورونا/كوفيد ١٩ والتي نأمل ألّا تكون هي الإسقاط الذي تستخدمه الحكومة لتبرير وضع العراق وانتشار الفساد فيها.